April 26, 2024

التحكيم في منازعات عقود التشييد (1) د. م. م. مالك دنقلا

 التحكيم في منازعات عقود التشييد
(1)

د. مهندس مستشار/
مالك علي محمد دنقلا



أصبحت المنازعات الهندسية
ظاهرة متنامية على مستوى العالم؛ لعدم الإلمام التام بالأنظمة التي تحكم إجراءات تنفيذ
عقود التشييد،
وتنوع
علاقات أطرافها وتعقدها وتداخل مسؤولياتهم ومهامهم، وعندما تنشب الخلافات غالباً ما
يبدأ طرفا العقد بالتفاوض فيما بينهما للتوصل إلى حلول ودية، ولكن عند استحالة حل النزاع
بينهما ودياً قد يضطر الطرف المتضرر لرفع دعوى لدى المحكمة المختصة للمطالبة بحقوقه،
إلا أن تباعد مواعيد الجلسات بسب كثرة القضايا وطبيعة إجراءات التقاضي يؤدي أحياناً
إلى تأخر الحكم فيها، وبالتالي تضرر أحد أطراف النزاع أو كليهما من ذلك التأخير.

ومع التوسع في حجم المشروعات المطروحة وضخامتها،
وبروز أنماط جديدة من المخالفات والمطالبات والمنازعات، والحاجة المُلحة لإيجاد نهج
أكثر فاعلية، وآلية سريعة لفض المنازعات؛ هروباً من الروتين، وتعقيدات المحاكم، و
حتى لا تتعطل الأعمال أو المشروعات ويتوقف العمل مده طويلة
يضار معها أصحاب المصلحة، بجانب إلحاق الضرر بحركة البناء والتنمية، وبالمصلحة العامة
للمواطنين،

لذا
فإن معظم العقود النموذجية أصبحت تتضمن بنوداً واضحةً في كيفية حسم المنازعات والمطالبات
بالوسائل البديلة.

وقد أوضحنا بالتفصيل في مقال سابق إحدى هذه
الوسائل الهامة التي نص عليها عقد الفيديك، وهي (مجلس فض المنازعات)، وفي هذا المقال
المتسلسل سنتناول وسيلة أخرى شديدة الأهمية، وهي (التحكيم)، والذي أضحى من أنسب الخيارات
لحل المنازعات والمطالبات، بل أصبح في غالب الأحيان أمراً حتمياً لا مفر منه ووسيلة
أساسية لحسم النزاعات، لما يتميز به من سرعة الفصل والوصول لأنسب الحلول أيضاً، فضلاً
عن التخصص الدقيق الذي يعد ركيزة أساسية في التحكيم الهندسي لخصوصية هذه النزاعات.

كما يعد التحكيم
المحطة الأخيرة التي يلجأ إليها أطراف العلاقة العقدية في عقود الفيديك لتسوية النزاع
بينهما، ففي حال فشل مجلس فض المنازعات في تسوية النزاع، يكون لأحد الأطراف أو كليهما
الحق في البدء في إجراءات التحكيم للفصل في المنازعة
.

نشأة التحكيم:

ظهر التحكيم استجابة
لمتطلبات التجارة الدولية لتحقيق العدالة السريعة الناجزة، وتقليل التكاليف على أطراف
التحكيم، والحفاظ على العلاقات التجارية.

ونشأ التحكيم في
العقود السحيقة، وهو سابق في نشأته على القضاء المنظم، الذي نشأ في ظل وجود الدولة
بمعناها القانوني وسلطاتها التنفيذية والقضائية والتشريعية، فعلى الرغم من عدم وجود
القضاء المنظم في المجتمعات القديمة، إلا أن شريعة الغاب لم تكن هي المسيطرة، بل كانت
هناك عدة وسائل لفض المنازعات منها الوساطة والتوفيق والتحكيم، وكانت أحكام التحكيم
التي تصدر من زعماء القبائل تتمتع بالاحترام والإلزام والنفاذ، وظلت تلك الوسائل قائمة
على الرغم من قيام الدولة وإنشاء المحاكم في العصور الحديثة.

وأقر الإسلام التحكيم
كوسيلة لحل الخلافات، كما أقرته السنة النبوية المطهرة كوسيلة لحل الخلافات، كما أقره
الصحابة رضوان الله عليهم.

وعلي الصعيد الدولي
تزايد الاهتمام بالتحكيم كوسيلة لفض المنازعات، فتم إبرام ميثاق التحكيم العام في سبتمبر
عام 1928م، ومعاهدة نيويورك بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية عام 1958م، وكذا
المعاهدة الأوربية للتحكيم التجاري الدولي في جنيف عام 1961م، واتفاقية دول أمريكا
اللاتينية (اتفاقية مونتفيدو) في عام 1961م، والتي تم العمل بها في عام 1965 م، واتفاقية
تسوية منازعات الاستثمار في واشنطن في عام 1965م، واتفاقية البنك الدولي للاستثمار
والتعمير في 18 مارس من عام 1965م، واتفاقية موسكو بشأن تسوية المنازعات بين الدول
الاشتراكية بطريق التحكيم التي أبرمت في 29 مايو عام 1972م، كما تم إصدار القانون النموذجي
للتحكيم التجاري الدولي من لجنة الأمم المتحدة في 21 يونية 1985 م ( قواعد اليونسترال
)، كما تم سن قواعد خاصة للتحكيم التجاري بواسطة لجنة قانون التجارة الدولية التابعة
للأمم المتحدة ( اليونسترال ) في عام 1976م
.

تعريف
التحكيم
Arbitration:

هناك
تعريفات عديدة للتحكيم:

التحكيم
هو: «اتفاق طرفي النزاع على إحالة ما ينشأ بينهم من نزاعات بشأن تنفيذ عقد معين ليتم
حله عن طريق هيئات متخصصة أو أفراد يتم اختيارهم بالاتفاق فيما بينهم».

أو هو: «اتفاق على
طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين لتسويته خارج المحكمة المختصة»
.

أو هو: «شكل من أشكال تسوية المنازعات خارج المحاكم القضائية، ويتم
الفصل في النزاع من قبل شخص واحد أو أكثر (المحكمون)، والتي تصدر (قرار التحكيم)، ويعتبر
قرار التحكيم ملزمًا قانونًا لكلا الطرفين، وقابلاً للتنفيذ في المحاكم، ما لم تنص
جميع الأطراف على أن عملية التحكيم والقرار غير ملزمين»
.

ويعرف التحكيم أيضاً
على أنه: «مسار خاص استثناءً عن المسار العام لحل المنازعات
)القضاءإذ يتيح إمكانية مباشرة الفصل في النزاعات
بين الأفراد من قبل أفراد عاديين لا يعدون من الجسم القضائي للدولة، فالتحكيم هو عرض
خلاف معين بين الأطراف المتحكمين على هيئة تحكيم تتكون من الأغيار، ويتم تعين أعضاء
الهيئة التحكيم من قبل أطراف النزاع وذلك وفق شروط يحددونها لتفصل تلك الهيئة بذلك
النزاع بقرار يفترض أن يكون بعيداً عن التحيز لأي من أطراف النزاع»
.

التحكيم
والقضاء:

يتشابه التحكيم كثيراً كوسيلة مع القضاء،
إلا أنه يعتبر آخر سبل فض النزاع التي تتسم بالطابع الاختياري، حيث هذه عملية تقوم
فيها محكمة خاصة من اختيار الأطراف بتحديد النزاعات رسميًا، إذ إن لطرفي النزاع حرية
اختيار القوانين واللوائح والإجراءات التي يتبعها المحكمون في الفصل في ما بينهما،
بل وللطرفين حرية اختيار من يحكم بينهم كذلك.

مع ملاحظة أن
التحكيم رغم أنه ملزم لطرفي النزاع حسب النظام، إلا أن التحكيم ليس بديلاً للقضاء،
فالقضاء ليس له بديل، والقاضي ليس له بديل، ولكن التحكيم أحد الطرق البديلة التي يذهب
إليها المتخاصمون لحل خلافاتهم خارج أروقة المحاكم، مثله مثل الصلح والوساطة وتقارير
الخبرة الفنية وما شابه، وذلك لأسباب من أهمها السرعة.

والتحكيم
بشكل عام أسرع من التقاضي، كما أنه أرخص لجميع الأطراف المعنية، علاوة على ذلك، فإن
قراراته أسهل في التنفيذ؛ لذا
يعد
التحكيم من الحلول المتطورة للتعامل مع المنازعات، ويتميز بسرعة الفصل والمرونة وقلة
التكلفة، فلم يعد اللجوء للقضاء هو الخيار الوحيد بسبب ما تتضمنه الإجراءات القضائية
من إطالة لمدة النزاع، وهو ما يؤثر بالسلب على تنفيذ عقود الإنشاءات.

الوسائل
الودية قبل التحكيم:

يتجلى من استعراض
نماذج عقود الفيديك أن النزاع الذي ينظمه العقد هو النزاع الذي ينشأ بين صاحب العمل
والمقاول، والذي ينشأ بسبب العقد المبرم بينهما، ويكون مرتبطاً أو ناشئاً عن تنفيذ
الأعمال المتفق عليها في عقد الفيديك. ولم يترك الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين
النزاع ينشأ دون أن يقنن له وسائل لتسويته، حيث تحددت وسائل تسوية المنازعات الناشئة
عن عقد الفيديك، في وسيلتين: الأولى تتمثل في التسوية الودية للنزاع، أما الثانية -والتي
تعد بمثابة الوسيلة الأخيرة التي يلجأ إليها الأطراف للفصل في النزاع فهي اللجوء إلى
التحكيم.

وتتميز
طرق التسوية الخاصة باللجوء اليها ابتداء أي قبل الدخول في التحكيم، حيث نجد أنها تتمثل
أولاً بالتسوية عن طريق الوساطة، حيث يتم تسوية النزاع في هذه المرحلة من خلال وسيط
يحاول تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع، ومن ميزاتها أيضاً تجسيد روح حل الخلاف
قبل اللجوء إلى طرق التسوية شبه القضائية، ناهيك عن أنها من الطرق السريعة والبديلة
قبل الخوض في إجراءات الوساطة والتحكيم.

وفيما
يلي أهم هذه الوسائل الودية البديلة:

التفاوض
المباشر: هو اتفاق الطرفين على تحديد فترة زمنية يلتزمان خلالها بالتفاوض لإيجاد حل
للنزاع، بحيث لا يجوز اللجوء قبل انقضائها إلى وسائل أخرى لتسوية النزاع.

التوفيق
والوساطة: هو اتفاق الطرفين على المثول أمام طرف ثالث يتم التوافق عليه بغرض تسوية
النزاع وتقريب وجهات النظر وإيجاد حل وسط يرضي جميع الأطراف.

المحاكمات المصغرة: في هذه المحاكمات يتم
إحالة النزاع إلى ممثلي الأطراف من الإدارة التنفيذية العليا بعد تقديم موجز للأطراف
بتبادل المستندات والملاحظات، وهي وسيلة لحل النزاع سلميًّا وتحاكي القضاء، ولكن لا
تتبع إجراءاته.

مجالس فض المطالبات والمنازعات: وقد تناولناه
بالتفصيل في مقال سابق، وعامة تستخدم هذه الوسيلة في العقود الكبيرة لمشروعات الإنشاءات،
ويتم تعيين المجلس في بداية المشروع، ويستمر خلال فترة تنفيذ المشروع لمواجهة المشاكل
قبل تفاقمها ومحاولة حلها وديًّا.

المشاركة: تعد وسيلة لتجنب المنازعات أكثر
منها وسيلة لحسم المنازعات، ويهدف هذا الأسلوب إلى تأسيس علاقات عمل بين كل الأطراف
من خلال عمل ورش عمل مشركة للمساعدة في تحديد توقعاتهم فيما يتعلق بأهداف وأغراض المشروع،
وتوقع المنازعات المحتملة ووسائل منعها قبل حدوثها.

يتضح مما سبق أن أسهل الطرق لحل النزاع هي
الطرق الودية المختلفة لحل المنازعات، ولكن في بعض الأحيان تفشل هذه الطرق المختلفة
لحل النزاع سواء لوجود تعارض قوى في المصالح أو وجود مصالح شخصية، أو تخوف من الأجهزة
الرقابية لدى أحد أطراف النزاع يجعله يفضل اللجوء الى التحكيم، وعليه فإن أي نزاع لم
يتم تسويته نهائياً على مستوى مجلس فض المنازعات، أو عن طريق الحل الودى، أو في حال
عدم توصل وسيط لحل يرتضيه أطراف النزاع يتم اللجوء إلى الطريق الآخر من طرق التسوية
والذي يتم بالتحكيم، حيث يتم عرض النزاع على هيئة التحكيم للتوصل إلى تسوية الخلاف،
بموجب قوانين تحكيم غرفة التجارة الدولية
. ICC

ورغم ما في ذلك من مشقة وتكاليف ووقت على
طرفي النزاع
، وقد يصبح معه الطرف
الرابح خاسراً في حقيقة الأمر، فإن التحكيم يصبح الأسلوب الأمثل لحل النزاعات في عقود
التشييد لطبيعتها الفنية، حيث يتم اختيار محكمين من المهندسين ذوي خبرة في موضوع النزاع
.

شروط اختيار المحكم:

يتعين
في اختيار المحكم في النزاعات الهندسية الثقة في حسن تقديره، وحسن عدالته، كما يجب
أن يكون من المتخصصين أو الملمين إلماماً كافياً بموضوع النزاع، ويكون موضوع ثقة الخصم
الذي يختاره، كما أن الخبرة الهندسية للمحكم تعين على التعرف الدقيق على أوجه النزاع
والوصول إلى حكم يضمن لكل أطراف الخصومة حقه.

وعموما
يجب أن تتوافر في المحكم المختار في النزاعات الهندسية ما يلي:

(1) أن يكون ملماً إلماماً كاملاً بالعقود الهندسية بجميع
أنواعها، وبالتزامات أطراف التعاقد الواردة في هذه العقود سواء أكانت محلية أو دولية.

(2) أن يكون ملماً إلماماً كاملاً بعلم المطالبات في عقود
التشييد والأوامر التغييرية.

(3) أن يكون ملماً بإدارة المشروعات الهندسية والبرامج الزمنية
والتدفقات المالية.

(4) أن يكون ملماً إلماماً كاملاً بإجراءات التحكيم، والقوانين
المختلفة التي تحدد التزامات أطراف التعاقد وهي القانون المدني، وقانون المناقصات والمزيدات،
وقانون التحكيم.

(5) أن يكون ملماً إلماماً كاملاً بأصول القياس، وحساب الكميات،
ودراسات الأسعار في عقود التشييد.

التحكيم
كوسيلة لفض المنازعات في عقود الفيديك:

يقصد
بالتحكيم في عقود الفيديك التحكيم الاختياري الذي يتفق فيه أطراف العقد على تسوية المنازعات
التي ستنشأ أو نشأت بينهم -بسبب تنفيذ العقد أو تفسيره- عن طريق التحكيم، حيث يعد التحكيم
المحطة الأخيرة التي يلجأ إليها أطراف العلاقة العقدية في عقود الفيديك لتسوية النزاع
بينهم، ويندر أن نجد عقد دولياً لا يتضمن شرط التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن
العقد، فلو فشل مجلس فض المنازعات في تسوية النزاع، يكون لأحد الأطراف أو كليهما الحق
في البدء في إجراءات التحكيم للفصل في المنازعة.

ويعد
التحكيم أحد أهم آليات فض المنازعات في عقود الفيديك النمطية بمختلف أنواعها، حيث تضمنت
نماذج عقود الفيديك أسلوباً متكاملاً وفريداً لتسوية المنازعات الناشئة عنها، فأعطت
النماذج القديمة لعقود الفيديك للمهندس الاستشاري دوراً مزدوجاً مرةً كممثل لرب العمل،
ومرةً أخرى كشـبه محكم في النزاعات الناشئة عن العقد المبرم بين رب العمل والمقاول
(قبل إجراء تعديل على بنود الكتاب الأحمر أسندت بمقتضاه هذا الدور لمجلس فض المنازعات).

ونصت
الشروط العامة لعقود الفيديك النمطية على التحكيم كطريق للطعن على قرارات مجلس فض المنازعات
(
DAB)، وهو المجلس الذي تناولنا مهامه وطبيعته ودوره
في مقال سابق، ورأينا أن مجلس فض المنازعات (
DAB) يختص بالنظر
في الخلافات التي تثور بمناسبة تنفيذ العقود المدونة طبقاً لعقود الفيديك.

حيث
ينص الفيديك على أنه يمكن الطعن على أحكام مجلس فض المنازعات عن طريق التحكيم، وفي
هذه الحالة يتم نظره مرة أخرى أمام هيئة التحكيم.، وأعطت المادة (20/6) من الشروط العامة
للكتاب الأحمر للفيديك لهيئة التحكيم الحق في مراجعة كافة المستندات والوثائق المنتجة
في النزاع والشهادات الصادرة عن المهندس، وقرار مجلس فض المنازعات، وكذا أي مستندات
أو وثائق يمكن أن تكون منتجة في حسم النزاع، كما يجوز لأي من طرفي النزاع تقديم البيانات
والمستندات التي يرونها منتجة في النزاع.

وحظرت
هذه المادة على أي من طرفي النزاع وضع قيود أو شروط مسبقة على سلطة هيئة التحكيم في
نظر موضع النزاع أو إجراءاته، للوصول للقرار العادل والمنصف، فلهيئة التحكيم سلطة مطلقة
في هذا الشأن، كما يجب على أطراف النزاع الاستمرار في تنفيذ التزاماتهم الناشئة عن
العقد لحين صدور قرار التحكيم، حيث إن اللجوء للتحكيم ليس مبرراً للنكول عن الالتزامات
الناشئة عن العقد، كما يجب أن يقوم قرار التحكيم على أسانيد قانونية تبرره.

وأحالت
القواعد الصادرة عن اتحاد الفيديك في شأن قواعد التحكيم المتبعة لتسوية الخلاف بين
المقاول وصاحب العمل، إلى قواعد التحكيم الصادرة عن غرفة التجارة الدولية، وذلك حال
عدم اتفاق الأطراف على ما يخالف ذلك، ومن ثم يتبع في شأن إجراءات التحكيم كافة قواعد
التحكيم المتبعة بغرفة التجارة الدولية.

تعيين
المحكمين وردهم واستبدالهم:

ألزمت
قواعد الفيديك بأن تشكل محكمة التحكيم من ثلاثة محكمين، ووفقاً لقواعد غرفة التجارة
الدولية، يقوم كل طرف بتعيين محكماً واحداً، وتقوم هيئة التحكيم الدولية التابعة لغرفة
التجارة الدولية بتعيين المحكم الثالث، والذي يرأس محكمة التحكيم، ويتعين أن يرأس محكمة
التحكيم المحكم المعين من قبل الهيئة، على أن تكون جنسيته مختلفة عن جنسيات الأطراف،
ولكن يجوز -في حال عدم اعتراض أحد الأطراف- أن يتم اختيار رئيس المحكمة من بلد ينتمي
إليه أحد الأطراف.

ويحق
لأي طرف خلال 30 يوماً من تاريخ تسلمه الإخطار بتعيين المحكم أن يطلب رده استناداً
لادعاء انتفاء الاستقلال أو عدم الحيادية أو لأي سبب آخر، ويلزم أن يشتمل طلب الرد
على الوقائع أو الظروف التي يُستند إليها في طالب الرد، وتصدر الهيئة قرارها في هذا
الشأن سواء من حيث قبوله شكلاً وموضوعاً، وإذا حدث ما يحول دون قيام أحد المحكمين بمهامه،
كأن يتوفى أو يقدم استقالته أو الموافقة على طلب رده، أو أجمع الأطراف على استبداله
فهنا يتم استبدال المحكم بآخر.

شروط
إحالة النزاع إلى التحكيم:

يلزم
أن تمر تسوية النزاع في عقود الفيديك بعدد من المراحل قبل اللجوء للتحكيم، وقد وضع
الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين شروطاً يلزم توافرها قبل لجوء أي من طرفي النزاع
للتحكيم للفصل في المنازعة وهي:

(1)
إحالة النزاع ابتداءً لمجلس فصل المنازعات لإصدار قرار بتسوية المنازعة، متى كان المجلس
موجوداً.

(2)
إخطار أحد الطرفين الطرف الآخر باعتراضه على قرار مجلس فض المنازعات، خلال مدة لا
تجاوز 28 يوماً من تاريخ تسلمه القرار، وذلك حال صدور قرار من المجلس، أما إذا لم يصدر
ثمة قرار من المجلس، فيلزم أن يعلن أحد الأطراف الطرف الآخر بأنه بسبيله للجوء للتحكيم
وذلك خلال مدة لأتجاوز 28 يوماً تبدأ من تاريخ انقضاء الـ 84 يوماً المحددة لإصدار
مجلس فض المنازعات لقراره، والتي تبدأ من تاريخ تسلم المجلس خطاب إحالة النزاع إليه،
وفي حال عدم وجود مجلس فض المنازعات لأي بسبب كانقضاء فترة تعيينه مثلاً، ففي هذه الحالة
يمكن إحالة النزاع مباشرة إلى التحكيم.

في
الجزء التالي من المقال نتناول -إن شاء الله- أنواع التحكيم، ومزاياه وسلبياته،
وآليات تنفيذه، وغيرها من الأمور التي تلقي بمزيد من الضوء على هذه الوسيلة المهمة
في حل النزاعات خاصة في مجال صناعة التشييد.

والله
الموفق.